فضاء حر

ذهنية حاكمة للصاعدين لكرسي الحكم

يمنات
كان نظام صالح يُبدي حنقه من تركيز الصحفيين على التجاوزات والانتهاكات، مع تجاهل “الإيجابيات”!
ما بعد 2011، غضبت مراكز الحكم الجديدة من تركيز الصحافة على تجاوزاتها، وإغفال “الإيجابيات”!
الآن، جماعة الحوثي غاضبة من تداول الصحافة للتجاوزات التي يرتكبها مسلحوها، وتجاهل “إنجازات” اللجان الشعبية!
هذه ذهنية حاكمة لكل من صعد كرسي الحكم، ليس في اليمن فحسب، بل في أغلب، إن لم يكن كل، دول العالم الثالث.
كانوا يطلبون غض الطرف عن تجاوزات علي محسن الأحمر تقديراً لانضمامه إلى “الثورة الشعبية”! الحوثيون يطلبون الآن غض الطرف عن انتهاكاتهم تقديراً لما أنجزته لجانهم الشعبية في “حفظ الأمن”!
كان الإصلاحيون يريدون من الصحفيين المستقلين تجاهل تجاوزات وفساد علي محسن ومراكز القوى المرتبطة به وبهم. الحوثيون يريدون، اليوم، من الصحفيين المستقلين أن يتحولون إلى أبواق لمدح جماعتهم ومسلحيها!
يستند هذا الموقف على أرضية واحدة: الجهل بمهمة الصحافة.
وإلى هذا، هناك متلونين بلا مواقف، وضمائرهم معطوبة، لا يريدون أن يكونوا بمفردهم في طابور الدجل والنفاق.
ليس على الصحافة الكتابة عن “الإيجابيات”، لأن ذلك، إن تم، سيأخذ الصحفي إلى وجهة غير وجهته، ومهمة ليست مهمته.
من واجبات أي سلطة خدمة مواطنيها عبر توفير الأمن المطلوب، وتقديم الخدمات اللازمة. وعندما تقوم سلطة ما بهذه المهام، فهي تقوم بما هو واجب عليها القيام به، ومطالبة الصحافة الحديث عن ذلك يعني مطالبة الصحفيين بالتحول إلى مداحين ومنافقين. من حق الناس شكر حكوماتهم، لكن الصحافة عندما تفعل ذلك تنزلق إلى ما هو مُعيب ومخجل.
وإذا ما افترضنا أن سلطة ما حاكمة لليمن، أو مسيطرة عليها، تقوم ب”إيجابيات”، فذلك واجبها، ولا يُفترض بالصحافة الانشغال في الكتابة عن ذلك، بل التركيز عن التجاوزات المرتكبة من قبل السلطة ومسؤوليها.
ليس على الصحافة الحديث عن “الإيجابيات”، بل التركيز على الأخطاء والتجاوزات، لأن تركيز الصحافة على التجاوزات والانتهاكات يعني إدانة علنية للمجرم لمحاولة منعه من ارتكاب جريمة جديدة.
مرة أخرى، سأعود إلى التعريف، الذي أورده روبرت فيسك، في مقدمة كتابه “الحرب الكبرى..”، للصحافة، نقلاً عن صحفية إسرائيلية لا أتذكر الآن اسمها. بحكم عمله الميداني وتغطيته الواسعة للحروب، كان فيسك يعتقد أن مهمة الصحفي هي كتابة الصفحات الأولى في التاريخ، بيد أن الصحفية الإسرائيلية قالت له: أنت مخطئ ياروبرت.. مهمتنا كصحفيين هي مراقبة مراكز القوة والنفوذ. قال فيسك أن هذا هو أفضل تعريف سمعه للصحافة.
مهمتنا كصحفيين هي مراقبة المسؤولين الحكوميين، ومراكز القوة والنفوذ، وليس الكتابة عن “الإيجابيات” التي يقومون بها، أو “الإنجازات” التي حققتها اللجان الشعبية.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى